سورة القلم ( معاني الكلمات - تفسير - تدبر )
ترتيبها 68 ... سُورَةُ القَلَمِ ... آياتها 52 ... مكية
غَرِيب الْقُرْآن
الآية ... الكلمة ... معناها
(1) ... {وَالْقَلَمِ} ... قَسَمٌ بِالقَلَمِ الَّذِي تَكْتُبُ بِهِ المَلَائِكَةُ، وَالنَّاسُ.
(1) ... {وَمَا يَسْطُرُونَ} ... وَالَّذِي يَكْتُبُونَهُ بِالقَلَمِ.
(3) ... {مَمْنُونٍ} ... مَنْقُوصٍ، وَلَا مُنْقَطِعٍ.
(6) ... {بِأَييِّكُمُ الْمَفْتُونُ} ... فَي أَيِّ الفَرِيقَيْنِ الفِتْنَةُ، وَالجُنُونُ؟
(9) ... {تُدْهِنُ} ... تُلَايِنُ، وَتُصَانِعُ.
(10) ... {حَلَّافٍ} ... كَثِيرِ الحَلِفِ.
(10) ... {مَّهِينٍ} ... كَذَّابٍ، حَقِيرٍ.
(11) ... {هَمَّازٍ} ... مُغْتَابٍ لِلنَّاسِ.
(11) ... {مَّشَّاءٍ بِنَمِيمٍ} ... يَمْشِي بِالنَّمِيمَةِ، وَهِيَ: نَقْلُ الحَدِيثِ بَيْنَ النَّاسِ عَلَى وَجْهِ الإِفْسَادِ.
(13) ... {عُتُلٍّ} ... فَاحِشٍ، لَئِيمٍ، غَلِيظٍ فيِ كُفْرِهِ.
(13) ... {زَنِيمٍ} ... مَنْسُوبٍ لِغَيْرِ أَبِيهِ.
(14) ... {أَن كَانَ} ... مِنْ أَجْلِ أَنَّهُ كَانَ.
(15) ... {أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ} ... أَبَاطِيلُهُمْ، وَخُرَافَاتُهُمْ.
(16) ... {سَنَسِمُهُ} ... سَنَجْعَلُ لَهُ عَلَامَةً لَا تُفَارِقُهُ.
(16) ... {الْخُرْطُومِ} ... أَنْفِهِ.
(1/356)
________________________________________
(17) ... {بَلَوْنَاهُمْ} ... اخْتَبَرْنَاهُمْ.
(17) ... {الْجَنَّةِ} ... الحَدِيقَةِ.
(17) ... {لَيَصْرِمُنَّهَا} ... لَيَقْطَعُنَّ ثِمَارَ حَدِيقَتِهَا.
(18) ... {وَلَا يَسْتَثْنُونَ} ... وَلَا يَنْوُونَ اسْتِثْنَاءَ حِصَّةِ المَسَاكِينِ، وَلَمْ يَقُولُوا: إِنْ شَاءَ اللهُ.
(19) ... {فَطَافَ عَلَيْهَا} ... أَحَاطَ نَازِلًا عَلَيْهَا.
(19) ... {طَائِفٌ} ... نَارٌ أَحْرَقَتْهَا.
(20) ... {كَالصَّرِيمِ} ... كَاللَّيْلِ المُظْلِمِ.
(21) ... {فَتَنَادَوا} ... نَادَى بَعْضُهُمْ بَعْضًا.
(22) ... {أَنِ اغْدُوا} ... اذْهَبُوا مُبَكِّرِينَ.
(22) ... {حَرْثِكُمْ} ... مَزْرَعَتِكُمْ.
(22) ... {صَارِمِينَ} ... مُصِرِّينَ عَلَى قَطْعِ الثِّمَارِ.
(25) ... {عَلَى حَرْدٍ} ... عَلَى قَصْدِهِمُ السَّيِّئِ فِي مَنْعِ المَسَاكِينِ.
(26) ... {لَضَالُّونَ} ... لَمُخْطِئُونَ فِي طَرِيقِهَا.
(28) ... {أَوْسَطُهُمْ} ... أَعْدَلُهُمْ، وَخَيْرُهُمْ عَقْلًا وَدِينًا.
(28) ... {لَوْلَا تُسَبِّحُونَ} ... هَلَّا تَذْكُرُونَ اللهَ، وَتَسْتَغْفِرُونَهُ؛ مِنْ فِعْلِكُمْ، وَخُبْثِ نِيَّتِكُمْ.
(1/357)
________________________________________
(30) ... {يَتَلَاوَمُونَ} ... يَلُومُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا عَلَى مَا قَصَدُوهُ مِنْ مَنْعٍ لِلْمَسَاكِينِ.
(32) ... {رَاغِبُونَ} ... طَالِبُونَ الخَيْرَ.
(33) ... {كَذَلِكَ الْعَذَابُ} ... مِثْلَ ذَلِكَ العِقَابِ الَّذِي عَاقَبْنَاهُمْ بِهِ نُعَاقِبُ كُلَّ مَنْ بَخِلَ، وَخَالَفَ أَمْرَ اللهِ.
(38) ... {تَخَيَّرُونَ} ... تَشْتَهُونَ.
(39) ... {أَيْمَانٌ} ... عُهُودٌ، وَمَوَاثِيقُ.
(39) ... {إِنَّ لَكُمْ لَمَا تَحْكُمُونَ} ... إِنَّهُ سَيَحْصُلُ لَكُمْ مَا تُرِيدُونَ، وَتَشْتَهُونَ.
(40) ... {زَعِيمٌ} ... كَفِيلٌ وَضَامِنٌ بِأَنْ يَكُونَ لَهُمْ ذَلِكَ.
(42) ... {يُكْشَفُ عَن سَاقٍ} ... يَكْشِفُ رَبُّنَا عَنْ سَاقِهِ؛ فَيَسْجُدُ المُؤْمِنُونَ، وَيَعْجِزُ المُنَافِقُونَ؛ كَمَا ثَبَتَ فِي الحَدِيثِ.
(43) ... {خَاشِعَةً أَبْصَارُهُمْ} ... مُنْكَسِرَةً ذَلِيلَةً؛ لَا يَرْفَعُونَهَا.
(43) ... {تَرْهَقُهُمْ} ... تَغْشَاهُمْ.
(43) ... {سَالِمُونَ} ... أَصِحَّاءُ، قَادِرُونَ.
(44) ... {الْحَدِيثِ} ... القُرْآنِ.
(44) ... {سَنَسْتَدْرِجُهُم} ... سَنَمُدُّهُمْ بِالأَمْوَالِ وَالنِّعَمِ؛ اسْتِدْرَاجًا لَهُمْ.
(45) ... {وَأُمْلِي لَهُمْ} ... أُمْهِلُهُمْ، وَأُطِيلُ أَعْمَارَهُمْ.
(45) ... {مَتِينٌ} ... قَوِيٌّ، شَدِيدٌ.
(1/358)
________________________________________
(46) ... {مَّغْرَمٍ} ... غَرَامَةِ تِلْكَ الأُجْرَةِ.
(46) ... {مُّثْقَلُونَ} ... مُكَلَّفُونَ حِمْلًا ثَقِيلًا.
(47) ... {أَمْ عِندَهُمُ} ... بَلْ أَعِنْدَهُمْ.
(48) ... {وَلَا تَكُن كَصَاحِبِ الْحُوتِ} ... لَا تَكُنْ مِثْلَ يُونُسَ حِينَ اسْتَعْجَلَ العَذَابَ، وَغَضِبَ.
(48) ... {مَكْظُومٌ} ... مَمْلُوءٌ غَمًّا.
(49) ... {نِعْمَةٌ مِّن رَّبِّهِ} ... بِتَوْفِيقِهِ لِلتَّوْبَةِ، وَقَبُولِهَا.
(49) ... {لَنُبِذَ بِالْعَرَاءِ} ... لَطُرِحَ مِنْ بَطْنِ الحُوتِ بِالأَرْضِ الفَضَاءِ المُهْلِكَةِ.
(49) ... {وَهُوَ مَذْمُومٌ} ... آتٍ بِمَا يُلَامُ عَلَيْهِ.
(50) ... {فَاجْتَبَاهُ} ... اصْطَفَاهُ رَبُّهُ لِرِسَالَتِهِ.
(51) ... {لَيُزْلِقُونَكَ} ... لَيُسْقِطُونَكَ عَنْ مَكَانِكَ؛ بِنَظَرِهِمْ إِلَيْكَ؛ عَدَاوَةً وَبُغْضًا.
التفسير
من الآية 1 إلى الآية 7
﴿ ن ﴾: سَبَقَ الكلام عن الحروف المُقطَّعة .
﴿ مَا أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ ﴾ يعني إنك أيها الرسول - بسبب إنعام الله عليك بالنُبُوّة ورَجاحة العقل وكمال الخُلُق - لستَ بمجنون )كما يَزعم المُعانِدون من قومك(،
﴿ وَإِنَّ لَكَ ﴾ - على ما تَلقاه من شدائد وإيذاء في تبليغ رسالة ربك
- ﴿ لَأَجْرًا غَيْرَ مَمْنُونٍ ﴾ أي ثوابًا عظيمًا غير منقوص ولا مقطوع،
﴿ وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ ﴾ (وهي الأخلاق العظيمة التي اشتمل عليها القرآن، فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يَمتثل أوامر القرآن ويتخلق بآدابه، حتى قالت عنه أمُّنا عائشة رضي الله عنها: كان خُلُقه القرآن)،
وقد قال صلى الله عليه وسلم: (ما مِن شيءٍ يوضع في الميزان أثقل مِن حُسن الخُلُق، وإنّ صاحب حُسن الخُلُق لَيَبلُغ به درجة صاحب الصوم والصلاة) (انظر حديث رقم: 5726 في صحيح الجامع)،
﴿ فَسَتُبْصِرُ وَيُبْصِرُونَ بِأَيِّيكُمُ الْمَفْتُونُ ﴾ يعني: فسَترى قريباً أيها الرسول - وسيَرى الكافرون - أيِّكم الذي أصابته فتنة الضَلال والجنون؟، )وقد تبَيَّنَ لجميع الخَلْق أنه صلى الله عليه وسلم أهدى الناس وأعقلهم وأكملهم، وأنّ أعداءه هم أضل الناس وأقلهم عقلاً وبصيرة)،
﴿ إِنَّ رَبَّكَ ﴾ أيها الرسول ﴿ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ ﴾ أي يَعلم سبحانه مَن ضَلَّ عن الإسلام )الذي هو طريق الهدى والرشاد(
﴿ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ ﴾ الذين اتَّبعوا طريق الإسلام، المُوصل بهم إلى الجنة، (وفي هذا تصبيرٌ للرسول صلى الله عليه وسلم، وفيه أيضاً تهديدٌ للمُشرِكينَ إن لم يتوبوا).
من الآية 8 إلى الآية 16:
﴿ فَلَا تُطِعِ الْمُكَذِّبِينَ ﴾ أي: اثبُت أيها الرسول على ما أنت عليه من مُخالَفة المُكَذّبين، ولا تطعهم فيما يقترحونه عليك ويطلبونه منك )مما يُخالف شرْع ربك(، فإنهم
﴿ وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ ﴾: أي تمنَّوا لو أنك تُلايِنهم على بعض ما هم عليه )بألاَّ تذكر آلهتهم بسوء(، حتى يَلينوا لك في القول، ويَكفوا عن إيذائك وإيذاء المؤمنين،
﴿ وَلَا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ ﴾ أي لا تطع كلَّ إنسانٍ كثير الحلف (لأن الحلف الكثير غالباً يؤدي إلى الحلف كذباً، وهو ما يُسَمَّى باليمين الغموس، أي الذي يَغمس صاحبه في النار، وهو من الكبائر، ويحتاج إلى توبة نصوح صادقة)،
﴿ مَهِينٍ ﴾ أي حقيرٌ في أفعاله،
﴿ هَمَّازٍ ﴾ أي مُغتاب للناس )يعني يَعيب عليهم، ويَذكرهم بما يَكرهونه في غيبتهم(،
﴿ مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ ﴾ أي يَمشي بينهم بالنميمة (فيَنقل حديث بعضهم إلى بعض بغرض الإفساد والإيقاع بينهم)،
﴿ مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ ﴾: أي شديد البخل بالمال، فلا ينفقه في وجوه الخير،
﴿ مُعْتَدٍ ﴾ على الناس )بإيذائهم في أنفسهم وأموالهم(،
﴿ أَثِيمٍ ﴾ أي صاحب الآثام الكثيرة )وأكبر الآثام: الشِرك بالله)،
﴿ عُتُلٍّ ﴾ أي غليظ الطباع، بذيء اللسان )غير مؤدَّب(
﴿ بَعْدَ ذَلِكَ زَنِيمٍ ﴾ أي: ثم هو بعد كل تلك الصفات القبيحة: مَنسوبٌ لغير أبيه،
﴿ أَنْ كَانَ ذَا مَالٍ
وَبَنِينَ إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آَيَاتُنَا قَالَ أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ ﴾ يعني: ومِن أجل أنه
كان صاحب مال وبنين: تكبَّرَ عن الحق وكَذَّبَ به، فإذا قُرِئَتْ عليه آيات
القرآن، قال: (هذه قصص السابقين وأباطيلهم)، (وهذا مِن جَهله وعِناده، وإلاَّ،
فكيف يكون هذا الكتاب المشتمل على الحق والعدل التام، أساطيرَ الأولين؟!).
﴿ سَنَسِمُهُ عَلَى الْخُرْطُومِ ﴾: أي سنَجعل على أنفه علامة لازمة لا تفارقه - عقوبةً له - ليكون مُفتضَحًا بها أمام الناس، (وقد قيل إنّ هذا وعيدٌ له بتشويه أنفه يوم القيامة، كقوله تعالى:
﴿ يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ
وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ ﴾، )واعلم
أن هذه الآيات - وإن كانت نزلت في الوليد بن المُغِيرة - إلا أنّ فيها تحذيرًا
للمسلم من الاتصاف بإحدى هذه الصفات الذميمة، أو مُوافقة مَن يفعل ذلك).
من الآية 17 إلى الآية 33:
﴿ إِنَّا بَلَوْنَاهُمْ ﴾ أي اختبرنا أهل مكة بالمال والولد والجاه والسيادة، فلم يشكروا نعم الله عليهم، بل كفروا بها - بتكذيبهم لرسولنا وإنكارهم لتوحيدنا - فأصبناهم بالجوع والقحط لَعَلّهم يتوبون
﴿ كَمَا بَلَوْنَا أَصْحَابَ الْجَنَّةِ إِذْ أَقْسَمُوا ﴾: أي كما اختبرنا أصحاب الحديقة، إذ اغتروا بحديقتهم -
عندما جاء وقت حصادها - وحلفوا فيما بينهم أنهم
﴿ لَيَصْرِمُنَّهَا مُصْبِحِينَ ﴾: أي ليَقطعُنَّ ثمارها مُبَكّرينَ في الصباح،
﴿ وَلَا يَسْتَثْنُونَ ﴾ يعني ولم يقولوا: (إن شاء الله)،
﴿ فَطَافَ عَلَيْهَا طَائِفٌ مِنْ رَبِّكَ ﴾: أي فأنزل اللهُ عليها نارًا أحرقتها ليلاً
﴿ وَهُمْ نَائِمُونَ ﴾،
﴿ فَأَصْبَحَتْ كَالصَّرِيمِ ﴾: أي فأصبحت حديقتهم محترقة سوداء كالليل المظلم،
﴿ فَتَنَادَوْا مُصْبِحِينَ ﴾: أي نادى بعضهم بعضًا وقت الصباح:
﴿ أَنِ اغْدُوا عَلَى حَرْثِكُمْ ﴾ أي اذهبوا مُبَكّرينَ إلى زرعكم
﴿ إِنْ كُنْتُمْ صَارِمِينَ ﴾ يعني إن كنتم
مُصِرِّين على قطع الثمار.
﴿ فَانْطَلَقُوا وَهُمْ يَتَخَافَتُونَ ﴾ أي يتحدثون بصوتٍ خافت، قائلين
﴿ أَنْ لَا يَدْخُلَنَّهَا الْيَوْمَ عَلَيْكُمْ مِسْكِينٌ ﴾ أي لا تُمَكِّنوا اليوم أحداً من المساكين من دخول حديقتكم،
﴿ وَغَدَوْا ﴾ أي ساروا في أول النهار إلى حديقتهم،
وهم ﴿ عَلَى حَرْدٍ ﴾ أي على قصدهم السيِّئ (في مَنْع المساكين من ثمار الحديقة)،
﴿ قَادِرِينَ ﴾ أي زاعمينَ أنهم قادرون على تنفيذ ما أرادوه،
﴿ فَلَمَّا رَأَوْهَا ﴾ يعني: فلمّا رأوا حديقتهم محترقة: أنكَروها، وظنوا أنها ليست حديقتهم،
فـ﴿ قَالُوا ﴾: ﴿ إِنَّا لَضَالُّونَ ﴾ يعني لقد ضللنا الطريق إليها.
♦ فلمّا تأكدوا أنها حديقتهم، قالوا: ﴿ بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ ﴾ أي محرومونَ خيرها; بسبب عَزْمنا على البخل ومَنْع المساكين،
وهنا﴿ قَالَ أَوْسَطُهُمْ ﴾ أي قال أعدلهم (وهو خَيرهم وأرجحهم عقلاً):
﴿ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ لَوْلَا تُسَبِّحُونَ ﴾ يعني ألم أقل لكم هَلاّ تقولون: (إن شاء الله)، عندما قلتم: (لنَصرِمُنّها مُصبِحين)، حتى تُنَزِّهوا اللهَ تعالى عن أن تكون لكم مَشيئة مُستقلة عن مَشيئته، أو قدرة مِثل قدرته؟!،
فـ﴿ قَالُوا ﴾ - بعد أن عادوا إلى رُشدهم -:
﴿ سُبْحَانَ رَبِّنَا ﴾ يعني حاشاكَ ربنا أنْ تظلم، فإنّ هذا البلاء نستحقه بمعصيتنا
﴿ إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ ﴾: أي كنا ظالمينَ لأنفسنا بهذا القصد السيِّئ، وبتَرْك كلمة الاستثناء: )إن شاء الله(،
﴿ فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَلَاوَمُونَ ﴾ يعني: كلٌ منهم يُلقي باللوم على الآخر،
و﴿ قَالُوا ﴾: ﴿ يَا وَيْلَنَا ﴾ يعني يا هلاكنا
﴿ إِنَّا كُنَّا طَاغِينَ ﴾ أي كنا متجاوزينَ الحد في مَنْعنا الفقراء ومُخالفة أمْر ربنا،
﴿ عَسَى رَبُّنَا أَنْ يُبْدِلَنَا خَيْرًا مِنْهَا ﴾ أي يُعطينا أفضل من حديقتنا )بسبب توبتنا واعترافنا بخطيئتنا(
﴿ إِنَّا إِلَى رَبِّنَا رَاغِبُونَ ﴾ يعني إنا إلى ربنا وحده طامعونَ في عفوه، طالبونَ للخير الذي عنده،
ثم قال تعالى:﴿ كَذَلِكَ الْعَذَابُ ﴾ أي: بمِثل ذلك العقاب )وهو الحرمان(، يُعاقب اللهُ - في الدنيا - كل مَن خالف أمْره، وبَخِلَ بما أعطاه من النعم، ولم يؤدِّ حق اللهَ فيها
﴿ وَلَعَذَابُ الْآَخِرَةِ أَكْبَرُ ﴾ أي أعظم وأشد مِن عذاب الدنيا،
﴿ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ ﴾ يعني: (لو كان الناس يَعلمونَ
شدة عذاب الآخرة، لابتَعدوا عن كل سبب يوصلهم إليه، وأغلَقوا كل بابٍ يَدخل لهم
الشيطانُ منه).
من الآية 34 إلى الآية 43
﴿ إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ ﴾ الذين اتقوا عقابَ الله تعالى - بفعل ما أمَرَهم به وتَرْك ما نهاهم عنه -
أولئك لهم ﴿ عِنْدَ رَبِّهِمْ ﴾ في الآخرة ﴿ جَنَّاتِ النَّعِيمِ ﴾،
﴿ أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ ﴾؟! يعني أفنَجعل الخاضعينَ لله تعالى بالطاعة، كالجاحدينَ الخارجينَ عن طاعته؟! )هذا لا يليق أبداً في حُكْم الله وحِكمته(،
﴿ مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ ﴾؟! يعني: كيف حكمتم - أيها المُشرِكون - بهذا الحُكم الظالم، فساوَيتم بينهما في الثواب؟!
﴿ أَمْ لَكُمْ كِتَابٌ فِيهِ تَدْرُسُونَ ﴾؟! يعني أم عندكم كتابٌ مُنَزَّل من السماء تقرؤونَ فيه أنّ المُطيع كالعاصي؟!،
﴿ إِنَّ لَكُمْ فِيهِ لَمَا تَخَيَّرُونَ ﴾؟! يعني إنّ لكم في هذا الكتاب إذًاً ما تشتهون؟! ليس لكم ذلك،
﴿ أَمْ لَكُمْ أَيْمَانٌ عَلَيْنَا بَالِغَةٌ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ إِنَّ لَكُمْ لَمَا تَحْكُمُونَ ﴾؟! يعني أم لكم عهودٌ عندنا - أوجَبناها على أنفسنا إلى يوم القيامة - بأنه سيحصل لكم ما تريدون وتشتهون؟!،
﴿ سَلْهُمْ ﴾ أي اسألهم أيها الرسول: ﴿ أَيُّهُمْ بِذَلِكَ زَعِيمٌ ﴾؟! يعني أيّهم ضامن بأنْ يكون له ذلك الحُكم الذي حكموا به لأنفسهم؟!﴿ أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ ﴾؟! يعني أم لهم آلهة تضمن لهم ما يقولون، وتُعِينهم على إدراك ما طلبوا؟!
إذا كانَ الأمر كذلك: ﴿ فَلْيَأْتُوا بِشُرَكَائِهِمْ ﴾ المزعومين ﴿ إِنْ كَانُوا صَادِقِينَ ﴾ في دَعواهم!
﴿ يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ ﴾ أي اذكر لهم - أيها الرسول - يوم القيامة، حين يَصعب الأمر ويَشتد الكرب، ويأتي الله تعالى لفصل القضاء بين الخلائق، فيَكشف عن ساقه الكريمة التي لا يُشبهها شيء
﴿ وَيُدْعَوْنَ ﴾ حينئذٍ
﴿ إِلَى السُّجُودِ ﴾ لله تعالى
﴿ فَلَا يَسْتَطِيعُونَ ﴾ أي لا يستطيعون الانحناء (فقد ثَبَتَ في الصَحِيحَيْن (البخاري ومُسلِم) - أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "يَكشف ربنا عن ساقه، فيَسجد له كل مؤمن ومؤمنة، ويَبقى مَن كان يسجد في الدنيا رياءً وسُمعة، فيَذهب ليَسجد، فيعود ظهره طبقًا واحدًا" )أي: عظماً بلا مِفصل، بحيث لا يَنثني عند الرفع والخفض(، وتراهم في ذلك اليوم
﴿ خَاشِعَةً أَبْصَارُهُمْ ﴾: يعني أبصارهم مُنكسرة، لا يرفعونها عن الأرض،
و﴿ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ ﴾: أي تُغَطّي وجوههم ذلة وكآبة شديدة،
﴿ وَقَدْ كَانُوا ﴾ في الدنيا
﴿ يُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ ﴾ أي يُدْعَون إلى الصلاة لله وحده
﴿ وَهُمْ سَالِمُونَ ﴾ يعني:
وهم أصحَّاء قادرون عليها فلا يسجدون; تعظُّمًا واستكبارًا.
من الآية 44 إلى الآية 52
: ﴿ فَذَرْنِي وَمَنْ يُكَذِّبُ بِهَذَا الْحَدِيثِ ﴾: أي اترك لي - أيها الرسول - مَن يكذِّب بهذا القرآن، فإنّ عليَّ جزاءهم والانتقام منهم،
و﴿ سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ ﴾: أي سنفتح لهم أبواب الرزق الكثير في الدنيا - استدراجًا لهم -
حتى يَغتَرُّوا بما هم فيه، ويعتقدوا أنهم على الهدى، ثم نُعاقبهم - على
غفلةٍ منهم - مِن حيثُ لا يعلمون، (واعلم
أنّ الاستدراج: هو الأخْذ بالتدريج، واستدراجُ اللهِ تعالى لأهل الضلال - الذين
يُصِرُّون على المعاصي ولا يتوبون منها -: أنهم كلّما جَدَّدُوا لله معصيةً،
جَدَّدَ اللهُ لهم نعمة، حتى يأخذهم بذنوبهم وهم لا يشعرون، كما قال صلى الله عليه
وسلم: (إذا رأيتَ اللهَ
تعالى يعطي العبدَ من الدنيا ما يحب وهو مُقيمٌ على معاصيه: فإنما ذلك منه استدراج) (انظر صحيح الجامع حديث رقم: 561).
﴿ وَأُمْلِي لَهُمْ ﴾: يعني وأُمهِل هؤلاء المُكَذِّبين حتى يَظنوا أنهم لا يُعاقَبون، فيَزدادوا كُفرًا وطغياناً، وبذلك يَتضاعف لهم العذاب، )وهذا هو كَيْدي لهم(
﴿ إِنَّ كَيْدِي ﴾ بأهل الكفر
﴿ مَتِينٌ ﴾ أي قويٌّ شديد، لا يُدفَع بقوةٍ ولا بحِيلة،
﴿ أَمْ تَسْأَلُهُمْ ﴾ أيها الرسول ﴿ أَجْرًا ﴾ على تبليغ الرسالة ﴿ فَهُمْ مِنْ مَغْرَمٍ مُثْقَلُونَ ﴾ أي فهُم بسببه في جهد ومَشقة من الالتزام بغرامةٍ تطلبها منهم، فلذلك كرهوا ما تدعوهم إليه؟! )كلا، لم يحدث ذلك، إذ لو طلبتَه منهم، لكانَ ذلك مانعاً لهم عن اتِّباعك ولاَحتجوا به عليك)،
﴿ أَمْ عِنْدَهُمُ
الْغَيْبُ فَهُمْ يَكْتُبُونَ ﴾؟!
يعني أم عندهم عِلم الغيب فهم يَكتبون منه - أي يَنقلون منه من اللوح المحفوظ - ما
حكموا به لأنفسهم مِن أنهم أفضل مَنزلةً عند الله مِن أهل الإيمان؟!
﴿ فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ ﴾: أي اصبر أيها الرسول لأمْر ربك بإبلاغ رسالته والصبر على أذاهم، واصبر لحُكمه وقضاءه بإمهالهم وتأخير نَصْرك عليهم،
﴿ وَلَا تَكُنْ كَصَاحِبِ الْحُوتِ ﴾ )وهو يونس عليه السلام(، فلا تكن مِثله في غضبه على قومه وعدم صبره عليهم
﴿ إِذْ نَادَى وَهُوَ مَكْظُومٌ ﴾: أي حين نادى ربه، وهو مملوءٌ غمًّا )طالبًا تعجيل العذاب لهم(، ثم خرج مِن قريته - وهو غاضبٌ على قومه - دونَ أن يأمره الله بذلك، فركب في السفينة، وكانت الحمولة زائدة، فوقعت القرعة عليه، فألقوه في البحر، فابتلعه الحوت، فنادى ربه وهو مملوءٌ غماً قائلاً: )لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ(، فاستجاب الله دعائه وقَبِل توبته، وأخرجه من بطن الحوت،
و﴿ لَوْلَا أَنْ تَدَارَكَهُ نِعْمَةٌ مِنْ رَبِّهِ ﴾ يعني لولا أنه قد أدركته نعمة مِن ربه:
﴿ لَنُبِذَ بِالْعَرَاءِ ﴾: أي لأُلقِيَ مِن بطن الحوت بالأرض الخالية المُهلِكة
﴿ وَهُوَ مَذْمُومٌ ﴾ أي يَذمُّه الله تعالى ويَلومه (لعدم صبره على أوامره)، لكنه لمَّا تاب: أُلقِيَ من بطن الحوت على شاطئ البحر وهو غير مذموم، بل أنبت الله عليه شجرة من القَرْع تُظِلُّه ويَنتفع بها،
﴿ فَاجْتَبَاهُ رَبُّهُ ﴾ أي اختاره الله لرسالته (بعد أنْ قَبِلَ توبته)، حيث رَدّ عليه الوحى بعد انقطاعه، وأرسله إلى مائة ألفٍ أو يزيدون من الناس فآمَنوا جميعاً به،
﴿ فَجَعَلَهُ ﴾ سبحانه ﴿ مِنَ الصَّالِحِينَ ﴾ أي الكاملينَ في
صلاحهم، الذين صلحتْ نيّاتهم وأعمالهم وأقوالهم.
﴿ وَإِنْ يَكَادُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصَارِهِمْ لَمَّا سَمِعُوا الذِّكْرَ ﴾ يعني: ولقد قارَبَ الكفار أن يُصيبوك بالعين والحسد - أيها الرسول - حتى تَهلَك، وذلك من شدة نظرهم إليك وكلهم حَسَدٌ وحِقدٌ عليك )وذلك حين سمعوا القرآن منك(، لولا حماية الله لك،
﴿ وَيَقُولُونَ ﴾ - بحسب أهوائهم -
﴿ إِنَّهُ لَمَجْنُونٌ ﴾ لا يدري ما يقول (وذلك حتى يَصرفوا الناسَ عنك)،
﴿ وَمَا هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ
لِلْعَالَمِينَ ﴾ يعني:
وليس القرآن بكلام مجنون كما يَزعمون، ولكنه تذكيرٌ وموعظة للجن والإنس (إذ يَتذكرون به ما
ينفعهم في دِينهم ودُنياهم).
التدبر
أدب النفي .. إذا أردت نفي شبهة عن شخص فاجعلها في قالب تنزيه وتلطف ، هكذا} : مَا أنتَ ( بِنِعْمَةِ رَبِّكَ ) بِمَجْنُون
﴿وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ﴾ . يقول ابن القيم رحمه الله: الدِّينُ كله خُلق فمن فاقك في الخُلق
فاقك في
الدين. . ويقول عبد الله بن المبارك رحمه الله: كادَ الأدبُ أن يكون ثُلثي الدّين.
.
﴿ ولا تطع كل حلاف مهين • هماز مشاء
بنميم ﴾ لا تصدق أهل الغيبة
والنميمة ، ولا تستمع لنصائحهم . هذه وصية #القرآن ﴿ فطَافَ عَلَيْهَا طَائِفٌ مِّن رَّبِّكَ وَهُمْ نَائِمُون ﴾ . إذا كنّا ننام فرب العالمين لا ينام يدبر الأمر لجميع الأنام. .
﴿ فطَافَ عَلَيْهَا طَائِفٌ مِّن رَّبِّكَ وَهُمْ نَائِمُون ﴾ كم أضاعت نيتك السيئة
التي أعددتها للغد ؛ من خيرات وعطايا كانت
لك ؟!!
ارتبطت الخيريةُ بالوسطيةِ في
الإسلام حتى فسر بعضُ السلف أوسطَهم بأعدلِهم في قوله سبحانه وتعالى : . ﴿ قالَ أَوسَطُهُم أَلَم أَقُل لَكُم لَولا تُسَبِّحونَ
﴾ .
لا ترفض نصيحة الخير لعلها رسالة ربك وتحذيره
الآخير قبل إنفاذ العقوبة
لا تقنط من رحمة ربك ، مهما كان خطأك كبيراً ؛
فرحمَة الله أكبر . كن راجياً لرحمته ، راغباً في عفوه . ﴿إنّا إلى ربنا راغبون﴾
إن فاتكم أمر ، وضاقت صدوركم ؛ فتذكروا هذه الآية ؛
سلوةً لقلوبكم : ﴿ عَسَىٰ رَبُّنَا أَنْ يُبْدِلَنَا خَيْرًا مِنْهَا ﴾
﴿وقد كانوا يدعون إلى السجود وهم
سالمون﴾. قال كعب الأحبار : والله ما نزلت هذه الآية إلا في
الذين يتخلفون عن الجماعات .!!
الظالمون المستمرون في بطشهم
وظلمهم للناس ؛ لايدركون أن الله يستدرجهم وأن عقوبتهم قادمة } ! وأُملي لهم إن كيدي متين
﴿ فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ ... ﴾ . وما زال #الصبر من شيم النفوس الكبيرة التي تأبى أن تشتكي إلا لله؛ لأن البشر ليس لهم من
الأمر شيء، والأمر كله لله.
﴿ فاصبر لحكم ربك ﴾ أغلى ما يعينك على #الصبر تذكُر إن ما تمر
به هو اختيار ربك لك فإن تيقنت إنه قضاؤه رضيت وتصبرت .
إِذْ نَادَىٰ وَهُوَ ( مَكْظُومٌ ) {حين تخنقنا
الآلام ؛ نناديه ، نتنفس الفرج .
﴿لَولا أَن تَدارَكَهُ نِعمَةٌ مِن
رَبِّهِ لَنُبِذَ بِالعَراءِ وَهُوَ مَذمومٌ﴾ . بفضل تسبيحه ودعائه بصدق قُبلت منه التوبة وخرج من الظلمة والابتلاء
ولم يُذَم لسابق خطأه. كيف كان حال قلبه ليكرمه الله بعفوه ؟ .
﴿ لَّوْلَا أَن تَدَارَكَهُ نِعْمَةٌ
مِّن رَّبِّهِ لَنُبِذَ بِالْعَرَاءِ وَهُوَ مَذْمُوم ﴾ . يا لها من موعظة لو وافقت من القلوب حياة ! كم انتشلنا ربنا
الكريم من بحر الظروف والأزمات وذلك نعمة من عنده ورحمة بعبده .. .
هبات ربانية، تأتيك لتعيد لك
بسمتك، تنير روحك وقلبك
وطريقك، حين تكاد تجزم ببقاء الظُلمة ! ﴿ لَولا أَن تَدارَكَهُ نِعمَةٌ مِن رَبِّهِ .. ﴾
مما تُدْرَكُ به النِعَم هو دعاء يونس عليه
السلام في بطن الحوت} : لولا أن تداركه نعمة من ربه