الأحرف السبعة والقراءات السبع من كتاب التفسير المنير للزحيلي
روى عمر بن الخطاب رضي الله عنه عن رسول الله r أنه قال: «إن هذا القرآن أنزل على سبعة
أحرف، فاقرؤوا ما تيسر منه»(1)
القرآن الكريم نزل بسبع لغات عربية مختلفة، هذه اللغات تمثل
لهجات القبائل العربية الرئيسية في ذلك الوقت. المقصود هنا ليس أن كل كلمة في
القرآن تقرأ بسبع طرق، بل أن النص القرآني بشكل عام يحتوي على هذه اللغات.
اللغات السبع المعتمدة هي لهجات قبائل معروفة بفصاحتها، وأشهرها
لغة قريش لأنها الأكثر انتشاراً. القبائل الأخرى التي أخذ منها هي هذيل وتميم
والأزد وربيعة وهوازن وسعد بن بكر. هذا الرأي هو
الأكثر قبولاً عند العلماء.
هناك تفسير آخر للسبع أوجه، حيث يقصد بها أنواع الاختلافات في
قراءة القرآن. هذه الاختلافات تنقسم إلى سبعة أنواع رئيسية(2):
✅النوع الأول يخص اختلاف الإعراب أو الحركات
في الكلمة، وهذا قد يغير المعنى أو لا يغيره. مثلاً كلمة "آدم" يمكن
قراءتها بفتح الألف أو كسرها.
✅النوع الثاني يتعلق باختلاف الحروف،
إما أن يغير المعنى مثل "يعلمون" و"تعلون"، أو يغير شكل
الكلمة فقط دون المعنى مثل "الصراط" و"السراط".
✅النوع الثالث يشمل اختلاف صيغ الأسماء
بين المفرد والمثنى والجمع، أو بين المذكر والمؤنث. مثال ذلك "أماناتهم"
و"أمانتهم".
هذه الاختلافات معتمدة ومتواترة، وكلها صحيحة لأنها وردت عن
النبي r العلماء اهتموا بدراستها وتوثيقها لأنها جزء من إعجاز القرآن ومرونته
اللغوية.
✅النوع الرابع الاختلاف بإبدال كلمة بكلمة يغلب
أن تكون إحداهما مرادفة للأخرى مثل (كالعهن المنفوش) أو (كالصوف المنفوش) وقد يكون
بإبدال حرف بآخر مثل (ننشزها) و (ننشرها) .
✅النوع الخامس الاختلاف بالتقديم والتأخير، مثل (فيقتلون ويقتلون) قرئ (فيقتلون ويقتلون) .
✅النوع السادس الاختلاف بالزيادة والنقص، مثل (وما خلق الذكر والأنثى) قرئ (والذكر والأنثى) .
✅النوع السابع اختلاف اللهجات في الفتح والإمالة، والترقيق والتفخيم، والهمز والتسهيل، وكسر حروف المضارعة، وقلب بعض الحروف، وإشباع ميم الذكور، وإشمام بعض الحركات، مثل (وهل أتاك حديث موسى) و (بلى قادرين على أن نسوي بنانه) قرئ بإمالة: (أتى) ، (وموسى) ، (وبلى) وقوله تعالى: (خبيرا بصيرا) بترقيق الراءين، و (الصلاة) و (الطلاق) بتفخيم اللامين. وقوله تعالى: (قد أفلح) بترك الهمزة ونقل حركتها من أول الكلمة الثانية إلى آخر الكلمة الأولى، وهو ما يسمى (تسهيل الهمزة) . وقوله تعالى: (لقوم يعلمون، نحن نعلم، وتسود وجوه، ألم أعهد) بكسر حروف المضارعة في جميع هذه الأفعال. وقوله تعالى: (حتى حين) قرأه الهذليون (عتى عين) بقلب الحاء عينا. وقوله تعالى: (عليهم دائرة السّوء) بإشباع ميم جمع الذكور. وقوله تعالى: (وغيض الماء) بإشباع ضمة الغين مع الكسر في الآية الكريمة "وغيض الماء"، نلاحظ إشباع ضمة حرف الغين مع وجود كسر خفيف. هذا يدلنا على دقة اللغة العربية وبلاغتها في القرآن الكريم.
أما عن الأحرف السبعة، فهي في الحقيقة تشير إلى اللغات المختلفة
التي كانت متداولة بين قبائل مضر العربية. من المهم أن نفرق بينها وبين القراءات
السبع أو العشر المشهورة التي انتشرت لاحقاً. هذه القراءات ظهرت بشكل واضح في عصر
التابعين، ثم ازداد انتشارها في القرن الرابع الهجري بعد أن ألف ابن مجاهد كتابه
الشهير في القراءات.
الحقيقة أن هذه القراءات المتواترة ليست هي الأحرف السبعة
نفسها، بل هي تندرج تحت حرف واحد فقط من تلك الأحرف السبعة الأصلية، كما أوضح
الإمام القرطبي في تفسيره.
الأمر المهم هنا أن مسألة الأحرف السبعة أصبحت اليوم مسألة
تاريخية إلى حد كبير. في البداية، كانت هذه الأحرف السبعة بمثابة تسهيل للناس في
زمن النبي r ، حيث كان معظم العرب أميين لا يجيدون القراءة والكتابة. كانت هذه
الرخصة لتيسير قراءة القرآن على مختلف القبائل بلهجاتها.
لكن مع مرور الوقت، تغير الوضع. زالت الحاجة إلى هذه الرخصة،
وأصبح القرآن يقرأ بحرف واحد فقط. منذ عهد الخليفة عثمان بن عفان رضي الله عنه، تم
جمع المصحف على حرف قريش، وهو الحرف الذي نزل به القرآن أصلاً. هذا ما أكده العديد
من العلماء مثل الطحاوي وابن عبد البر وابن حجر وغيرهم.
الاختلافات الباقية اليوم في كتابة بعض الحروف تعود إلى هذا
الحرف الواحد، وليس إلى الأحرف السبعة الأصلية. هذه النقطة مهمة لفهم تطور كتابة
المصحف وقراءته عبر التاريخ الإسلامي.
⸎والخلاصة: إن الأحرف السبعة: هي اللغات السبع التي اشتملت عليها لغة مضر في القبائل العربية، وليست هي القراءات السبع أو العشر المتواترة المشهورة، فهذه القراءات التي انتشرت كثيرا في عصر التابعين ثم اشتهرت في القرن الرابع بعد ظهور كتاب في القراءات للإمام المقرئ ابن مجاهد، تعتمد على غير الأصل الذي يتعلق بالأحرف السبعة، وتتفرع من حرف واحد من الأحرف السبعة، كما أبان القرطبي.
ثم إن الكلام على الأحرف السبعة أصبح تاريخيا، فقد كانت تلك
الأحرف السبعة توسعة في النطق بها على الناس في وقت خاص للضرورة، لعجزهم عن أخذ
القرآن على غير لغاتهم، لأنهم كانوا أميين لا يكتب إلا القليل منهم، ثم زال حكم
تلك الضرورة، وارتفع حكم تلك الأحرف السبعة، وعاد ما يقرأ به القرآن على حرف واحد،
ولم يكتب القرآن إلا بحرف واحد منذ عهد عثمان، مما قد تختلف فيه كتابة الحروف، وهو
حرف قريش الذي نزل به القرآن، كما أوضح الطحاوي وابن عبد البر وابن حجر وغيرهم (3)
.
⁙⁙⁙⁙⁙⁙⁙⁙⁙⁙⁙⁙⁙⁙⁙⁙⁙⁙⁙⁙⁙⁙⁙⁙⁙⁙
(1) أخرجه
الجماعة: البخاري ومسلم ومالك في الموطأ والترمذي وأبو داود والنسائي (جامع
الأصول: 3/ 31) .
(2) تفسير
القرطبي: 1/ 42- 47، تفسير الطبري: 1/ 23 وما بعدها، تأويل مشكل القرآن لابن
قتيبة: ص 28 وما بعدها،
(3) تفسير القرطبي: 1/ 42- 43، فتح الباري: 9/ 24-
25، شرح مسلم للنووي: 6/ 100