تدبر سورة القدر
التفسير
﴿إِنَّآ أَنزَلۡنَٰهُ فِي لَيۡلَةِ ٱلۡقَدۡرِ ﴾ القدر: العظمة والشرف، وقيل: التقدير.
والصحيح أنه شامل للمعنيين ، فليلة القدر ذات
قدر عظيم، وشرف كبير، وأنه يقدَّر فيها ما يكون في تلك السَّنَة.
والمعنى: أنزل الله القرآن
جملة واحدة في ليلة القدر، من اللوح المحفوظ إلى السماء الدنيا، ثم كان ينزله على رسوله ﷺ بحسب الحاجة وما يقتضيه التشريع، قال
تعالى: ﴿ وَقَالَ الَّذِينَ
كَفَرُوا لَوْلَا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً ۚ كَذَٰلِكَ
لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ ۖ وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلًا﴾ الفرقان: 32
وكان بين أول نزول القرآن وآخره ثلاث
وعشرون سنة.
كما أخبر E أنَّه أنزله في ليلة مباركة: ﴿ إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُّبَارَكَةٍ ﴾ الدخان: 3
وكان ذلك في شهر رمضان، كما قال تعالى: ﴿ شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ
الْقُرْآنُ﴾
البقرة
185
﴿وَمَآ أَدۡرَىٰكَ مَا لَيۡلَةُ ٱلۡقَدۡرِ ﴾ وما أعلمك يا محمد اي شيء
ليلة القدر؟! ، وهذا استفهام يراد به تعظيم وتفخيم شأنها.
﴿ لَيۡلَةُ ٱلۡقَدۡرِ خَيۡرٞ مِّنۡ أَلۡفِ شَهۡرٖ ﴾ أي: العمل في ليلة القدر
خير من العمل ألف شهر في غيرها.
﴿تَنَزَّلُ
ٱلۡمَلَٰٓئِكَةُ وَٱلرُّوحُ فِيهَا﴾ أي: يكثر تنزل الملائكة في
هذه الليلة لكثرة بركتها.
والروح: هو جبريل S.
﴿ بِإِذۡنِ رَبِّهِم مِّن كُلِّ
أَمۡرٖ ﴾ أي:
تنزل الملائكة بأمر الله تعالى، من أجل كل أمر قضى الله بهِ في تلك السنة.
﴿ سَلَٰمٌ هِيَ حَتَّىٰ مَطۡلَعِ ٱلۡفَجۡرِ ﴾ أي: هي خير كلها، ليس فيها
شر إلى مطلع الفجر.
التأويل
_ {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ} الضمير هنا يعود إلى الله عز
وجل، والهاء في قوله {أَنْزَلْنَاهُ} يعود إلى القرآن، وذكر الله تعالى نفسه
بالعظمة {إنا أنزلناه}؛ لأنه سبحانه وتعالى العظيم الذي لا شيء أعظم منه
_ إن لملائكة ينزلون إلى الأرض يسلمون على المؤمنين في
هذا اليوم. إن الملائكة تنزل بإذن الله تعالى بقضائه وقدره لتلك السنة كاملة من
رزق أو أجل أو غير ذلك. إن الملائكة ينزلون ويطوفون؛ ليسلموا على المؤمنين، فتكون
تلك الليلة مليئة بالسلام. إن الله تعالى لا يُقدّر في تلك الليلة إلا السلامة
والخير، ويقدر في غيرها الشرّ والخير
_ تنزّلَ القرآن الكريم، إما كله من اللوح المحفوظ إلى
بيت العزة في السماء الدنيا، ثم منجما على قلب النبي ﷺ
– البركة والثواب العظيم للقائمين والعاكفين
والداعين، إذ العمل فيها خير من ألف شهر، فتغفر فيها الذنوب، ويكثر العتقاء
لله تعالى،
_ والحكمة من إخفائها وعدم تعيينها للمنافسة والمسابقة
والاستكثار من الطاعة واللجأ في الدعاء والضراعة
التدبر
_ تعظيم الله تعالى ؛ حيث ذكر نفسة بالعظمة: ﴿إِنَّآ أَنزَلۡنَٰهُ
﴾ لإنَّه E العظيم الذي لا شيءأعظم منه
_ نزول
الملائكة في الأرض عنوان على الرحمة والبركة.
_ فإذا
امتنعت الملائكة من دخول شيءٍ كان ذلك دليلاً على أن هذا المكان قد يخلو من الخير
والبركة، كالمكان الذي فيه صور ذوات الأرواح، فإن الملائكة لا تدخل بيتًا فيه
صورة، إلاَّ إذا امتهنت.
_ إذن الله ينقسم إلى قسمين:
إذن شرعي، وإذن كوني قدري
فالإذن الشرعي هو ما أذن الله فيه شرعا، ومنه قولة تعالى: ﴿ أَمْ لَهُمْ
شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُم مِّنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَن بِهِ اللَّهُ ﴾ الشوري: ٢١ وقد يقع من العباد وقد لا يقع.
والإذن القدري هو ما أراده الله تعالي كونا وقدرًا، كقوله: ﴿تَنَزَّلُ ٱلۡمَلَٰٓئِكَةُ وَٱلرُّوحُ
فِيهَا بِإِذۡنِ رَبِّهِم﴾ وهذا واقع لا محالة.
فأهل
البدع فعلوا ما لم يأذن الله به شرعًا، وإن كان قد أُذن في وقوعه قدرًا.
الإستنباط
_حض المسلم على
عمل الطاعات وتحري الأوقات الفضيلة، فقد أخفى الله التاريخ الدقيق لليلة القدر،
كما أخفى تعالى سائر الأشياء، فإنه أخفى رضاه في الطاعات، حتى يرغبوا في الكل،
وأخفى غضبه في المعاصي ليحترزوا عن الكل، وأخفى الإجابة في الدعاء ليبالغوا فيه،
وأخفى وقت الموت ليخاف المكلف، فكذا أخفى هذه الليلة ليعظموا جميع ليالي رمضان،
وليجتهد المسلم في طلبها فيكتسب ثواب الاجتهاد.
_ الملائكة لا
ينزلون بإختيارهم ولكن بأمر الله عزوجل وأذنه وأنهم لا ينزلون مرة واحدة ولكن مرات
متتابعة
كثرة
الملائكة التي تستجيب لأمر الله وتنزل في
هذه الليلة.
التأثر
_العمل في ليلة القدر خير من العمل ألف
شهر في غيرها.
أن كثيرا من الناس ليفهمون
الحديث في قيام ليلة القدر فهما مجتزءا فليس معنى من قام ليلة القدر هي فقط
العبادات المختلفة ولكن معنى القيام يضاف له معنى آخر هو أن نعمل بمقتضيات ليلة
القدر بعد انتهائها وهذا هو القيام الأمثل لليلة القدر .
_إن الله تعالى
لا يُقدّر في تلك الليلة إلا السلامة والخير، ويقدر في غيرها الشرّ والخير؛ اجعلوها
سلاما بينكم؛ أي بلا نزاع ولا خصام" ويشير إليه ما في الحديث الصحيح: (إِنِّي خَرَجْتُ لِأُخْبِرَكُمْ بِلَيْلَةِ
القَدْرِ، وَإِنَّهُ تَلَاحَى فُلَانٌ وَفُلَانٌ، فَرُفِعَتْ، وَعَسَى أَنْ
يَكُونَ خَيْرًا لَكُمْ، التَمِسُوهَا فِي السَّبْعِ وَالتِّسْعِ وَالخَمْسِ). رواه البخاري
🌙 أنوار الهداية
نورٌ يُضيءُ طريقَ الفِكر والإيمان
هناء جلال